لم يكن "سائد" الطالب بالصف السادس الأساسي يعلم بأن شهادته بالحق دفاعًا عن زميله في الفصل ستكلفه في ساعة الانصراف من الدوام المدرسي -علقة- يتورم بها جسده.
يسرد الفتى حكايته فيقول: "إن مشادة حدثت بين زميله في المقعد وبين آخر بسبب عدم منحه دفتره لحل واجب الرياضيات الذي سيسأل عنه المدرس في الحصة التالية بعد الاستراحة "، ويتابع سائد: " أن الطالب الكسول المعتدي أقدم على الكيد لزميله في المقعد فأثناء الاستراحة تسلل إلى الفصل وسحب دفتر الرياضيات الخاص به ومزق صفحة الواجب بعد أن قام بغشها وعندما جاء المدرس ليفتش عن الواجبات لم يملك زميله إلا البكاء لأنه وجد الورقة مزقت "، ويستكمل لم أملك أن أبقى صامتًا فأخبرت المدرس بما حدث ما دعاه إلى استجواب الطالب ومع إقراره بفعلته حوله إلى غرفة الناظر الذي طالبه بإحضار وليّ أمره، ويضيف:"لم أكن أعلم أن شهادة الحق سأعاقب عليها بالضرب" مؤكدًا أنه في ساعة الانصراف كان الطالب ومجموعة أخرى يتربصون به وبزميله وما إن اقتربا منهم حتى انهالوا عليهما بالضرب المبرح.
لم يكن ما تعرض له – سائد- من عنف جسدي من قبل زملائه في المدرسة إلا حادثة بسيطة ضمن ظاهرة العنف التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين الطلاب في المدارس، وإن توقف الاعتداء إلى حد الضرب فإن حوادث أخرى تتعدى الضرب إلى القتل أو إحداث عاهة مستديمة نتيجة عدم وعي وانجرار الطالب نحو عصبيته، " آسية " في التقرير التالي يرصد أسباب انتشار ظاهرة العنف بين طلبة المدارس ويسرد العديد من النماذج التي تستدعي وقفة من الأهالي ووزارة التربية والتعليم على حد سواء لإنهاء الظاهرة التي باتت تؤرق المجتمع الفلسطيني والعربي..
ووفقًا لدراسات مختلفة فإن ظاهرة العنف بين الأطفال في المدارس ظاهرة عالمية لا تقتصر على مجتمع دون الآخر وأنها ترتبط بالمستوى الاجتماعي أو الثقافي أو المهني أو العلمي أو الموقع الجغرافي للمجتمع، ولكن على الرغم من كونها ظاهرة عالمية إلا أن العنف المدرسي في المجتمع الفلسطيني له خصوصيته وفقًا للظروف السياسية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بأكمله من قبل الاحتلال من حروب وحصار واعتقال ناهيك عن حالة الانفلات الأمني ووقوع الحوادث والانقسام السياسي على الساحة الفلسطينية حيث أثرت تلك العوامل بشكل بالغ على طلبة المدارس إذ بدأ الطلاب ينقلون خلافاتهم السياسية والعائلية داخل المدارس ما يدعو وزارة التربية والتعليم الفلسطينية إلى تنفيذ مجموعة من الأنشطة والفعاليات والبرامج التي تعمل على التقليل من وجود العنف داخل المؤسسة التعليمية.
شجار تحول لمعركة:
يعد وقت الاستراحة خلال اليوم الدراسي، ووقت الانصراف من المدرسة أصعب أوقات ضبط النظام في المدرسة حيث يستثمر الطلبة الوقت لتصفية حساباتهم التي تنشأ عن اختلاف الرأي بينهم أو الخلافات العائلية، ووفقًا لبيان صادر عن شرطة حلحول بالخليل فإن إحدى مدارس بلدة بيت أُمر شمال الخليل بالضفة الغربية شهدت مؤخرًا في وقت الاستراحة شجارا بين طالبين تحول إلى معركة أدت إلى اعتداء طالب في الرابعة عشرة من عمره على زميله ويدعى يوسف علامة بآلة حادة أحدث جروحا عميقة في رقبته بطول 9سم ما أدى إلى إحالته فورًا إلى المستشفى وخضوعه لعملية جراحية، وبحسب بيان الشرطة فإن الطالب استغل فترة الاستراحة وتعدى على زميله مما أدى إلى استدعاء الشرطة التي أحالت الطالب المعتدي إلى النيابة العامة بناءً على شكوى من والد الطالب المعتدى عليه- يوسف العلامة- وذلك لاستكمال الإجراءات القانونية بحق المعتدي.
قتله دون قصد:
وإن كان الطالب السابق تسبب في إصابة زميله بجرح غائر في رقبته بطول 9سم استدعى لنقله إلى المستشفى فورًا، فإن عمر -12 عامًا - وبلا قصد تسبب في قتل زميله كرم الذي كان قد أصابه أثناء اللعب خلال الاستراحة بين الحصص في قدمه دون أن يؤلمه، يؤكد الفتى الذي مثل أمام المحكمة لارتكابه جريمة قتل أنه لم يقصد أبدًا قتل زميله.
وتوضح تفاصيل الحادثة أنه في أثناء الاستراحة وخلال اللعب وقع شجار بينه وبين زميله كرم حيث أصابه كرم في قدمه ما أثار غضبه، ويتابع: " حاول كرم امتصاص غضبي واعتذر لي مؤكدًا أنه لم يقصد إيلامي إلا أنني لم أقتنع أبدًا باعتذاره وتوعدته بسداد ضربته "، ويستكمل ذارفا دموع الندم:"عندما حان الانصراف وأقرع الجرس انتظرته خارج المدرسة وما إن وجدته مقبلًا عليَّ حتى أسرعت إليه وأوقعته أرضًا، لم يكن ببالي وقتها إلا أن أجعل الطلاب يضحكون عليه كما ضحكوا عليّ حينما ضربني بقدمي" يصمت من هول صدمة استرجاع مشهد زميله الذي يشاركه المقعد حيث خرَّ كرم على الأرض مرتطمًا بحافة الرصيف وتحت رأسه بركة من الدماء فارق على إثرها الحياة"، يردد الفتى "لم أرد قتله لكنه مات"، مصير عمر كان السجن في مؤسسة الربيع للإصلاح والتأهيل لمدة ثلاثة أشهر فقط حيث تم التعامل معه كحدث بالإضافة إلى أنه تم تخفيف الحكم عن الطفل لوقوع المصالحة التي تمت بين ذوي الطفلين.
الأهالي يطالبون بحماية أبنائهم:
يطالب الأهالي دائما وزارات التربية والتعليم بأخذ الإجراءات اللازمة من أجل درء خطر الاعتداءات عن أبنائهم في المدارس مؤكدين على قلقهم من أن تتحول المدارس إلى ساحات عراك وتتوه وظيفتها الأساسية في التربية والتعليم والارتقاء بأبنائهم.
أبو هادي - 40 عامًا - من مدينة غزة يؤكد أن المدرسة بطاقمها الإداري والأكاديمي عليهم مسئولية كبيرة في توعية الطلاب بضرورة الاحتكام إلى التفاهم وعدم اتباع العنف في حل ما يعترضهم من مشكلات مع زملائهم، لافتًا إلى أن ابنه الأكبر كثيرًا ما يعود إلى البيت معتدى عليه بالضرب نتيجة اختلافه مع زملائه الذين يعمدون إلى التربص به وقت العودة إلى البيت والاعتداء عليه بالضرب، وأضاف أن أولياء الأمور عليهم مسئولية أيضًا بتوعية أبنائهم وبتوضيح حدود العلاقة بين أبنائهم وزملائهم في المدرسة فجميعهم طلاب علم والمدرسة مكان للتعلم واكتساب الخبرات وليس لتكوين الشلل والعصابات على حد تعبيره.
فيما طالبت أم وليد من الخليل بضرورة أن توفر المدرسة ووزارة التربية والتعليم الحماية لأبنائهم أثناء العملية الدراسية وذلك بالحد من ظاهرة العنف في المدارس عبر خطط وبرامج ونشاطات توعوية وأخرى ترفيهية وتربوية.
أسباب العنف في المدارس:
يرجع أستاذ التربية بجامعة الأزهر بغزة داوود حلس أسباب انتشار ظاهرة العنف لدى الطلاب في المدارس إلى مجموعة من العوامل أولها وأهمها التنشئة الأسرية، بالإضافة إلى تقصير وزارة التربية والتعليم في دعم ضوابط الانضباط المدرسي المعمول بها في العديد من المدارس في مختلف البلاد العربية، ويوضح حلس أنه لا يقصد بذلك الدعوة إلى إعادة العقاب البدني.
ويقول حلس في حديث لـ" آسية " إن إعداد المعلم له دور كبير في الحد من انتشار ظاهرة العنف بين الطلبة، وكذلك توفير نشاط طلابي مدرسي غير منهجي حيث يشعر الطلاب بالملل لأنهم يجلسون مدة 135 دقيقة متوالية بفاصل 15 دقيقة مما يجعلهم يسعون إلى تفريغ ما لديهم بالعنف والاعتداء على الآخرين، ويشير حلس أن كثيرا من المشكلات يكون أساسها تعامل المعلم سواء مع الطلاب أنفسهم أو مع الهيئة التدريسية مؤكدًا أن المدرس أحيانًا يشتد مع الطلاب في الفصل بالحديث ويعنفهم بألفاظ غير لائقة بالمكان التعليمي، وأوضح حلس أن العوامل الخارجية أيضًا تؤثر على عنف الطالب مع زملائه داخل المدرسة خاصة وأن الطالب الفلسطيني يقع تحت ضغوط رهيبة من الحصار والحرب والانقسام مما يؤثر على سلوكه مع الغير، لافتًا إلى أن الطالب في ظل المعطيات السابقة بحاجة إلى الترويح مؤكدًا أن حاجته أكبر لتفريغ ما لديه من طاقات عبر أنشطة وبرامج.
من ناحية أخرى شدد حلس على أن وسائل التكنولوجيا الحديثة وارتهان الطالب لها في معظم أوقات فراغه تعزز لديه العنف حيث يحاول أن يقلد ما يشاهد ويسمع ويقرأ، لافتًا إلى أن الطفل إلى أن يصل إلى مرحلة البلوغ يكون قد اطلع على آلاف من أفلام العنف وهي تؤثر على سلوكه مؤكدًا أن كثيرا من الأطفال عمدوا إلى تمثيل ما شاهدوا على أرض الواقع سواء بأنفسهم أو على أشقائهم وأقرانهم.
الكاتب: محاسن أصرف
المصدر: موقع آسية